السبت، 23 مارس 2019

الطاعون في أثينا عام 430 ق م

دوّنه ثيوسيديديس، مؤرخ إغريقي نقل الخبر ووصف الأحداث عن تجربة شخصية

يقال إن الوباء بدأ في جنوب مصر وأثيوبيا وانتشر إلى ليبيا، وبعد انتشاره الواسع في الدولة الفارسية انتقل إلى أثينا بدءا من بيرايوس جنوبي العاصمة، وظن الناس أن البيلوبونيزيون الذين غزوا المدينة كانوا قد سمموا الصهاريج. وصل المرض إلى العاصمة أثينا ليرتفع عدد الضحايا هناك بسرعة كبيرة.

كان الكثيرون ممن أصيبوا بالطاعون يتمتعون بكامل صحتهم، لكن في لحظة، وبدون أي أسباب واضحة، داهمتهم حرارة شديدة في الرأس والتهاب وحمرة في العينين. كما احتقن الحلق واللسان بالدم ونتنت رائحة النفس. جاء بعد ذلك العطاس وبحة الصوت ثم نزل المرض إلى الرئتين مسببا سعال قوي. بعد ذلك انتقل الداء إلى البطن وداهم المريض كل أنواع الاستفراغ التي وصفها الأطباء وكانت حالته مزرية. من ثم أخذ الرجل يتهوع دون جدوى حتى أصيب بتشنجات قاسية. جاء ذلك بعد الأعراض السابقة عند بعضهم وبعد حين من الزمن عند آخرين.
 لم تظهر الحمى أو الشحوب على الجسد بعد في هذه الأثناء وكانت بشرة المريض مائلة للحمرة مع ظهور تقرحات وتقيحات، إلا أن المريض كان يشعر بحرارة داخلية شديدة تجعله لا يحتمل أن يلامس جسمه أي قطعة من القماش مهما كان رقيقا ويفضل التجرد من الملابس. كما تملكته رغبة شديدة بالانغماس في الماء البارد وعطش لا يروى مهما شرب من ماء، حتى أن بعض المرضى ألقوا أنفسهم في الصهاريج.
 بالإضافة طغى على المصاب قلق لا يهدأ، منعه من النوم. من الغريب أنه في شدة المرض بقيت أجسام المرضى قوية ولم تهلك قواهم لكن لقوا حتفهم من الحمى الشديدة في اليوم السابع أو التاسع. ومن لم ينتهي أجله انتقل المرض إلى أمعائه وظهرت التقرحات والإسهال الشديد. وفي هذه المراحل المتأخرة أنهكت أجسامهم وخاروا حتى انتهوا، إلا في حالات نادرة. أما من بقي إلى ما بعد المرحلة الحرجة، هاجم المرض أطرافهم إلى أصابع الأيدي والأرجل ونجا بعض المرضى من التجربة الشنيعة مع فقدان للأطراف أو البصر أو الذاكرة فلم يعودوا يعرفوا الأصدقاء أو حتى أنفسهم.

كانت سرعة انتشار الداء في جسد المريض أقوى مما يمكن أن يتحمله البشر. فبقيت بعض الجثث ملقاة في الشوارع دون دفن، ولوحظ أن الطيور والحيوانات التي تتغذى على أجساد البشر لم تقترب من الجثث وإن أكلت منها ماتت. كما اختفى الكثير من الطيور الجارحة فلم تكن ترى في أي مكان حول الجثث أو غيره، كذلك الحال مع الكلاب الذين اعتادوا العيش مع الانسان. مات المصاب بالمرض سواء كان وحيدا دون معين يهتم به أو محاطا برعاية فائقة، وأصاب المرض كل أنواع البشر، القوي منهم والضعيف. ومن شعر بأعراض المرض، أي مرض، انتابه على الفور يأس شديد وفقدان للأمل في أي نجاة. من خشية المرض امتنع الناس عن التزاور أو الاطمئنان على بعضهم، فمات الكثيرون في وحدة وبقيت بيوت كثيرة فارغة من خشية الناس للعدوى فمن ساعد مريضا مات. لكن وجد كثير من المرضى والمحتضرون رعاية هزيلة ممن برأ من المرض وما عاد يخشى العدوى.

ازدحم الناس القادمون من الأرياف إلى المدينة مما أدى إلى تفاقم المأساة. وعانى الحاضرون الجدد أكثر من غيرهم لعدم امتلاكهم بيوتا تؤويهم وبقائهم في أكواخ مهترئة، فكانت الوفيات من بينهم مهولة وعشوائية. ولذلك بقيت جثث الأموات في المكان الذي حصلت فيه الوفاة وبنفس الوضع، بعضها فوق بعض، وشوهد مرضى في حالة يائسة هائمون في الشوارع وحول النوافير تعطشا للماء. سكن الكثيرون في المعابد والتي امتلأت بدورها بجثث من مات فيها.
كان هول المرض والموت العارم سببا في تجرد البشر من أي شعور بالمسؤولية القانونية، فانتهكوا حرمة مراسم الدفن المتعارف عليها، ودفن الناس أمواتهم بالطرق التي تيسرت لهم. أولئك الذين لم يجدوا أدوات تعينهم لكثرة الأموات في منزلهم رموا الجثث في مقابر الآخرين. كلما أعد رجل كومة تراب للدفن سبقه آخر ورمى جثة فوقها وأحرقها، كما رمى الناس جثثهم فوق أي جثة أخرى تحترق ورحلوا.

المصدر

ترجمتي لمقتطفات من كتاب تاريخ حرب البيلوبونيز 
The History of the Peloponnesian war, by Thucydides 431 BC 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق