الخميس، 20 أبريل 2017

الطفرة الجينية المزعجة التي تحول الناس إلى كائنات ليلية (غربان الليل)


تمكن العلماء من التعرف على الطفرة الجينية المزعجة التي تحول الناس إلى كائنات ليلية (غربان الليل)
"حاملي هذه الطفرة يقضون حياتهم وهم يحاولون التأقلم مع الحياة الصباحية"


 كل من يحب السهر إلى ساعات الصباح الأولى والنوم في النهار يفهم معنى المجاهدة للتأقلم مع الحياة الصباحية التي يعيشها غالبية المجتمع. وقد وجد باحثون الآن طفرة جينية مسببة لمعاناة "غربان الليل" هؤلاء.

أظهرت دراسة حديثة أن الأشخاص الذين يجدون صعوبة في النهوض في الصباح الباكر ليسوا بأشخاص كسولين كما اعتقدهم الكثير منا، بل أن ساعات أجسامهم الداخلية مبرمجة لتكون أبطأ من بقية الناس بساعتين إلى ساعتين ونصف. وذلك بسبب طفرة في جين ساعة الجسم CRY1.

تقول ألينا باتكي، الباحثة الرئيسية في جامعة روكفيلر في نيويورك: "أجسام حاملي الطفرة مبرمجة لتكون أيامهم أطول من اليوم الطبيعي على الكوكب، مما يجعلهم يجاهدون للحاق بغيرهم مدى الحياة".

وللتوضيح، فنحن لا نتحدث عن الأشخاص الذين يسهرون بسبب إدمان الأجهزة الذكية. غربان الليل الحقيقيين يجدون صعوبة في النوم حتى في غياب الملهيات. وأغلب الناس إذا ابتعدوا عن أضواء المدينة، بالذهاب في رحلة تخييم مثلا، نجدهم يتأقلمون على النوم والصحيان مع غروب وشروق الشمس بعد عدة أيام.

يُشخص الأفراد الذين يجدون صعوبة في الحصول على القدر الكافي من النوم في كثير من الأحيان باضطراب تأخر مرحلة النوم Delayed Sleep phase disorder DSPD، حالة يقدر العلماء أنها تصيب 10% من الناس.

وبالإضافة لكونهم دائما متعبين، فغربان الليل هؤلاء يعانون من مشاكل صحية أخرى بسبب مجاهدتهم الدائمة للتأقلم مع بقية المجتمع. فقد وجد الباحثون علاقة تربط حالتهم بالقلق والاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكري. ناهيكم عن الإزعاج المتكرر الذي يجدونه بسبب جرس المنبه كل صباح.

يصف الباحث مايكل يونغ معاناتهم "كأنهم يعانون من ارهاق نفثي* كل يوم، فحين يأتي الصباح لا يكونون مستعدين بعد لبدء يوم جديد"

وقد أظهر الباحثون أنه إلى جانب كون ساعة هؤلاء متأخرة عن غيرهم، فإن أجسامهم تعمل بسرعة أبطأ بمقدار ساعتين إلى ساعتين ونصف من بقية الناس.

الساعة الداخلية لجسم الانسان مبرمجة على 24 ساعة. بما يعني أن عمليات الجسم مثل الهضم والنوم وإصلاح الخلايا يمكنها أن تتم في اليوم الطبيعي على الكرة الأرضية. ولكن بعض الأشخاص وبسبب طفرة جينية يكونون بحاجة لوقت أطول.

تعرفت باتكي وزملائها الباحثون على هذه الطفرة الجينية منذ سبعة أعوام أثناء إجراءهم الدراسات على سيدة في السادس والأربعين من العمر جاءت لعيادة النوم بسبب معاناتها من صعوبات في النوم. وبعد دراسة جينية اكتشف الفريق وجود طفرة من حرف واحد في جين CRY1 يعتقدون أنها سبب مشكلة السيدة.

يجدر بالذكر أن الساعة اليومية في أجسامنا تبدأ كل يوم ببناء مركبات بروتينية في الخلايا تدعى "مُبدئات". هذه المركبات تُنتج أيضا مركبات "مثبطة" تعمل بمرور الوقت على إيقاف عمل المبدئات. وعندما يتوقف عمل جميع المبدئات في الخلية يتوقف انتاج المثبطات، فتبدأ المبدئات بالظهور مرة أخرى معيدة بذلك الدورة لليوم الجديد.

البروتين الذي ينتج عن جين CRY1 هو أحد المركبات المثبطة، ولكن لم يتمكن العلماء من فهم كيف يمكن لتغير بسيط في الجين أن يسبب الأثر الكبير الملحوظ على ساعة الجسم.

في الدراسة الحالية، قام الباحثون بدراسة جين CRY1 من الخلايا الجلدية في جميع أفراد أسرة السيدة ذاتها – ووجدوا أن جميعهم يحملون نفس الطفرة. وبعد دراسات إضافية وجدوا أن ناتج الطفرة هو بناء بروتين يفتقد لجزء كبير من المركب المفترض بنائه، مما يعني أن بروتين CRY1 المثبط يصبح أكثر فعالية، فيقوم بتثبيط البروتين المبدئ لمدة زمنية أطول من المفروض، مما يطيل الدورة اليومية للخلية.

قام الفريق بعد ذلك بتعزيز بحثهم من خلال دراسة أنماط النوم في ستة عائلات تركية – 39 من المشاركين شخصوا باضطراب تأخر مرحلة النوم ويحملون طفرة جين CRY1، و31 منهم خالون من الطفرة والمرض. وما وجدوه هو أن جميع من يحمل الطفرة كان يعاني من اضطراب تأخر النوم ونوم غير منتظم.

كما لاحظ الفريق أن منتصف فترة النوم عند الأفراد غير الحاملين للطفرة (31) كان عند الرابعة فجرا، أما حاملي الطفرة الجينية فتراوحت بين السادسة والثامنة صباحا – مما يوحي بأن الطفرة تؤخر ساعة الجسم مقدار ساعتين.

الخبر المفرح في هذا الموضوع هو أن ساعة أجسامنا، وجين CRY1، تتأثر بمنبهات خارجية مثل الضوء، فمن المفترض أنه يمكن معالجة اضطراب تأخر النوم بالالتزام بروتين منتظم للنوم والاستيقاظ.

تقول باتكي " يمكن أقلمة ساعة الجسم المتأخرة مع دورة اليوم الخارجية وبتنظيم أوقات النوم، علينا فقط بذل بعض الجهد الإضافي"، وأضافت أنه قد يحدث في المستقبل تحضير علاجات لهذه المشكلة.

كما أكد الباحثون أن الطفرة الجينية موضوع الدراسة هي مجرد إحدى أسباب اضطراب تأخر مرحلة النوم - وتوجد عوامل أخرى مسببة – أما في أبحاثهم فقد وجدوا الطفرة عند واحد من كل 75 شخص من أصل أوروبي (غير الفنلنديين).

الموضوع لا يزال بحاجة للمزيد من الدراسات على عينات أكبر لمعرفة ما لو كانت الطفرة تسبب تغيرات في عمليات أخرى في الجسم.

__________

*ارهاق نفثي: الارهاق وصعوبة النوم الناتجان بعد السفر بالطائرة ساعات طويلة.


ترجمت هذه المقالة من موقع Science Alert

نشر البحث الأصلي في دورية Cell "الخلية"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق